بسم الله الرحمن الرحيم
الظروف السياسية لنشأة الأسرة صفر
اتجهت الآراء فى الآونة الأخيرة الى إعتبار المائة و الخمسون عاما الأخيرة قبل بداية الأسرة الأولى أو قبل بداية عصر التوحيد بمثابة الأسرة صفر التى انتهت بالملك نعرمر ، و قد ادى الى هذا الإعتبار أيضا كثرة الشواهد التى أكتشفت على يد البعثات الأثرية ، لا سيما الألمانية فى أم الجعاب ( فى أبيدوس )و منشأة أبو عمر ( فى شمال شرق الدلتا و بالتحديد 15 كم جنوب شرق تانيس )و إعلان المملكة المصرية الموحدة ، قادمين من نخن ( هيراكونبوليس )تحت لواء معبودها الصقرى حورس و تبعهم حكام الأقاليم الذين أطلق عليهم آنذاك أتباع حورس و أشير اليهم على الوثائق فى تلك الفترة برموز معبودات أقاليمهم على الألوية . و تمثل تلك الأسرة الفترة التى تم فيها الإكتمال و الإنسجام الحضارى بين معظم بقاع الأرض المصرية فى الشمال و الجنوب ، و الذى استتبعه زحف زعماء أحد المدن المصرية فى الجنوب التى كان لها مكانة سياسية و دينية عظيمة آنذاك ، نحو الشمال لتوحيده ، ألا و هى مدينة هيراكونبوليس. ويقترح البعض و جود حوالى ثمانية أو عشرة أجيال من الحكام الذين ينتمون إلى تلك الأسرة الصعيدية ، انتهوا بمجموعة زعماء أو ملوك كشف عن أسمائهم على الأوانى الفخارية فيما يطلق عليه مخربشات الأوانى و التى عثر عليها فى بعض مناطق مصر العلي و السفلى مثل أبو رواش و طرة و أبو صير الملق و زاوية العريان و حلوان و طرخان و منشأة أبو عمر و سقارة و البيدا ( فى السويس )و عين باصور ( فى جنوب فلسطين ) و أم الجعاب (فى أبيدوس)، وغيرها من المناطق التى شيد فيها زعماء تلك الأسرة مقابرهم الضخمة كنقادة و هيراكونبوليس و غيرها. و قد تمت سيطرة هؤلاء الملوك على مصر كلها على عدة مراحل - فيما يعتقد - على النحو التالى :1- السيطرة السياسية على الجنوب حتى الجندل الأول. 2- المد الحضارى و السيطرة السياسية على مصر الوسطى و الوصول حتى حدود منطقة ابو صير الملق. 3- التقدم نحو منطقة طرخان ثم الإتجاه شرقا. 4- الوصول الى سيناء و حدود فلسطين. 5- توحيد مصر و إكتمال دعائم الملكية على يد الملك ( حور عحا ). و لذلك فقد أكدت آثار تلك الأسرة أن توحيد مصر قد تم بواسطة زحف ملوك الجنوب نحو الشمال ولاينبغى أن ينصرف ذهننا إلى أن هذه السيطرة كانت ذات طبيعة عسكرية محضة و إنما خضعت لعوامل عديدة منها المصالح التجارية المشتركة و التقارب الثقافى و علاقات النسب و المصاهرة بين شطرى البلاد و كانت لاتخلوا أحيانا من بعض المناوشات العسكرية الصغيرة و هو الأمر الذى يفند بلا شك النظرية القديمة لمراحل توحيد مصر و التى تبناها بعض العلماء مثل كورت زيته و الكسندر موريه و غيرهما ، و التى إعتمدت على إشارات أسطورية وردت فى نصوص الأهرام أو غيرها و تتلخص هذه النظرية فى أن الوصول إلى توحيد مصر قد مر بتسعة مراحل شملت صراعات عسكرية بين ممالك الدلتا بين بعضها البعض تارة و بين ممالك الصعيد تارة أخرى حتى أصبح هناك مملكة واحدة فى الشمال و أخرى فى الصعيد ثم أخيرا مملكة واحدة مستقرة و هو الأمر الذى لم يستقم لدينا بعد إعادة بحث و دراسة الشواهد الأثرية
عطفا على ماسبق يمكن القول أن الوحدة السياسية كما أكدتها القرائن الأركيولوجية قد أتت كنتاج طبيعى لإنتشار الففكر الحضارى و الدينى شمالا و جنوبا،و تطلع زعماء هيراكونبوليس و أتباعهم ( شمسو حور )تحت لواء المعبود حورس إلى وحدة البلاد. وقد عبر زعماء الأسرة صفر عن أنفسهم طبقا لما يرى الدارس بعدة أشكال مختلفة خلال مائة و خمسين عاما فى خمس مراحل مختلفة و حتى الوحدة كما يلى :أولا _ مرحلة السرخ ( وهو رمز واجهة القصر الملكى أو منزل الزعيم )و قد ظهر هذا الشكل التصويرى دون و وجود أى اسم مدون داخل السرخ أو علامة الصقر حورس التى تعلو السرخ حيث كان هذا التصوير هو أول علامة أراد هؤلاء الزعماء أن يعبروا بها عن أنفسهم ،حيث تمثل مكان إقامتهم و قد سجات هذه العلامة على الأوانى فى مناطق أبوصير و زاوية العريان و أم الجعاب و أبو رواش و البيدا و طرة و اذا نظرنا جيدا لأماكن إنتشار تلك العلامة سنلاحظ أن مصر فى تلك المرحلة كانت تتكون من مجموعة من الممالك و الو حدات السياسية الصغيرة و المنتشرة مابين شطرى البلاد و أن كل وحدة سياسية يترأسها زعيم الأمر الذى يعنى أن بدايات الأسرة صفر تشمل مجموعة من الزعماء الغير منحدرين من أصل واحد و لعل ذلك كان هو السبب فى إعتراض العديد من الباحثين على إطلاق مصطلح أسرة على تلك الفترة .ثانيا _ مرحلة السرخ مع علامتى حورس المواجهين لبعضهما ، و هنا ظهر الصقران المواجهان لبعضهما فوق السرخ حيث حاول الملوك التعبير عن أنفسهم بشكل دينى يربطهم صراحة بالمعبود الصقرى بعد أن ظهروا فى المرحلة الأولى بشكل ملكى إن جاز التعبير ، و لكن لماذا تم إختيار هذا الشكل الجديد؟ ...............1- إن عبادة الصقر كانت أكثر العبادات إنتشارا فى معظم أرجاء الأرض المصرية ...............2-زعماء الزحف السياسى القادمون من نخن( هيراكونبوليس )كانوا يعبدون حورس ......3-الصقران هنا يشيران الى محاولة إظهار الزعيم لنفسه كممثل لحورس الشمال و حورس الجنوب وهى محاولة لتوحيد العبادة الصقرية بين قطرى مصر كنتاج طبيعى للوحدة الثقافية و بواكير و حدة سياسية تحاول أن تشق لنفسها طريقا . ثالثا _ مرحلة التعبير بعلامة السرخ داخلها إسم الزعيم ، و هنا نجد لأول مرة واحدة من أقدم المحاولات الكتابية التصويرية الناشئة لإظهار إسم الحاكم القاطن فى البيت المالك و ربما كانت تلك الخطوة هى تأكيد على شرعية الحكم لصاحبها كما نلاحظ أيضا أن هؤلاء الزعماء لم يضعوا أى علامة للصقر فوق السرخ مما جعل البعض يعتقد أن زعماء تلك الفترة لم يكن منشأهم بالضرورة من مدينة نخن و إلا ماتجاهلوا المعبود الصقري . رابعا _ مرحلة التعبير بالإسم الحوري صراحة دون وجود علامة السرخ ، حيث ظهرت أسماء هؤلاء الزعماء على الأوانى و معظمها كان ينتسب بطبيعة الحال الى المعبود حورس و هم ( إرى حور ) و ( حات حور ) و (نى حور ) و ( بى حور ) و ( را حور ) وكان شكل الصقر يظهر دائما فوق أى علامة تصويرية أخرى تشكل جزءا من إسم الزعيم . خامسا _ مرحلة الإسم المكتوب داخل السرخ و يعلوه الصقر حورس ، حيث أتى ملوك سموا بأسماء غير منتسبة للمعبود ( حور ) أمثال ( التمساح ) و ( كا ) و ( العقرب ) و ( نعرمر ) و بدأت تظهر أسمائهم تارة منفردة و تارة أخرى داخل السرخ ثم إرتبطا بعد ذلك بصورة معبودهم حورس فوق السرخ حتى لايبتعدوا عنه فى أسمائهم و من هنا أتت فكرة اللقب الحورى كتطور طبيعى عن الأسماء المنتسبة لهذا المعبود و دون أن توجد أى علاقة بين هذا اللقب و حورس إبن أوزير حيث لم تظهر بواكير الأسطورة الأوزيرية إلا فى فترة متأخرة من عصر الدولة القديمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق