بسم الله الرحمن الرحيم
الكهنوت
لعب الدين دوراً كبيراً فى حياة الشعب المصرى القديم، وفى التقدم الذى حققته الحضارة المصرية القديمة. وقد قال "هيردوت" عن المصريين القدماء: "إن المصريين كانوا أشد الناس تديناً، وكانوا يعتقدون أن كل شئ فى العالم ملك للآلهة، وأنهم منبع كل خير، وأنهم على علم برغباته الدنيوية، وأن فى استطاعتهم فى كل وقت أن يتدخلوا فى شئون البشر".
ولذلك كان المصريون يقيمون المعابد والمقاصير للمعبودات، وكأنها مستقر أرضى لهم. ولما كان الملوك الفراعنة من سلالة الأرباب فى الاعتقاد المصرى القديم، لذا كان عليهم أن يقوموا بتأدية الطقوس الدينية لهؤبلاء الأرباب، ولما كان ذلك من المستحيل، وخاصة لتعدد مهام الفرعون الأخرى، وأيضاً لتعدد الأرباب ومعابدهم فى مصر، فقد أوكل الملك عنه طائفة الكهنة، فأصبح هؤلاء مسئولين عن إقامة الشعائر الدينية فى المعابد بالإنابة عن الفرعون نفسه، وذلك كما سنرى لاحقاً.
وقد برع الكهنة المصريون فى مجالات كثيرة ومعارف مختلفة طوال العصور المصرية القديمة، ولا أدل على ذلك من مقولة أحد الكهان الطاعنين فى السن فى العصر المتأخر لسولون، أحد دعائم الديمقراطية الأثينية المشهورين، إذ قال له: "إنكم يا معشر الإغريق ما زلتم أطفـالاً، فليس فى اليونان شيوخ !". فسأله "سولون": "ماذا تقصد ؟"؛ فرد عليه الكاهن المصرى: "إن مدارككم ما زالت شابة، وذلك لأنكم لا تملكون قديماً من التقاليد ومن المعارف التى شيبها الزمن ! "
الكهنـة والكهنوت
من المعروف أن العبادات فى مصر القديمة كانت تقام فى أى معبد باسم الملك الذى كان مسئولاً عن إقامة العبادات والشعائر أمام الأرباب، فضلاً عن دوره السياسى والإدارى والتشريعى. وهكذا فإن واجبات الملك الدينية تعددت، فكان هو المسئول عن إقامة المعابد للأرباب، وتقديم القرابين والهدايا لهم، والقيام بالخدمة الدينية والطقوس الخاصة بالأرباب فى هذه المعابد، أى أنه كان الكاهن الأول لكل المعبودات، وكذلك كانت تقام له الصلوات بجانب الأرباب الذين عُبدوا فى هذه المعابد
وقد اختلفت العلاقة بين الملك والمعبود عن علاقة المعبودات بغيره من الرعية؛ فالملك بوصفه حاكم البلاد، ونائب الأرباب فى إقرار النظام والحكم على الأرض، كان أيضاً بمثابة ابن الأرباب وخليفتهم على الأرض؛ ومن ثم فإنه كان يعد هو الكاهن الأول لكل البلاد، ووجب عليه القيام بمختلف الطقوس لكافة المعبودات المصرية فى كل المعابد المختلفة فى طول البلاد وعرضها.
ومن البدهى أن هذا الأمر كان محالاً وفقاً للاعتبارات الزمانية والمكانية، ومن ثم فقد كان الملك ينيب عن نفسه أولاده أو كبار موظفيه فى كل إقليم وفى كل مدينة. على أن الملك كان يقوم بنفسه بأداء هذه الواجبات تجاه معبود العاصمة، والرب الرسمى للبلاد. وقد وردت عبارة فى أحد فصول الشعائر تذكر: "إن الأرباب قد أعدوا لى السبيل، وإن الملك هو الذى يرسلنى لاجتلاء طلعة المعبود".
فالملك إذاً كان هو المسئول عن تعيين الكهنة، والذين كان يتم اختيارهم عادة من أسمى درجات المجتمع. وعلى هذا فإن مكانة الكهانة كانت تستند فى المقام الأول على الإنابة عن الملك الحاكم المؤلَّه فى تأدية الطقوس الدينية اليومية فى كل المعابد، وفى كافة أرجاء البلاد باسم الملك، ولكل المعبودات والأرباب
مفهـوم الكهـانة
تشير كلمة "كهنة" إلى العاملين الذين كانوا ملحقين بالمعابد لكى يؤدوا فيها مهام عديدة شديدة التنوع، وعلى رأس هذه المهام إقامة الطقوس اليومية للرب القاطن بالمعبد، أو بمعنى آخر أن الكاهن هو كل رجل يمتلك طهارة جسدية، أو يضع نفسه فى مكان الطهارة والنقاء المطلوب، بغية الدخول إلى المكان المقدس، أو الاقتراب منه، أو لمس أى جسم أو طعام مخصص للمعبود.
ولم تكن الدار المقدسة أو المعبد المصرى يشبه ما نعنيه الآن بمكان العبادة، إذ لم يكن مكاناً يذهب إليه المتعبدون ليصلوا لمعبود، ولا كان داراً تحتشد فيها الجماهير لممارسة الطقوس الروحية، وتترقب أن يتجلى عليها المعبود إبان الاحتفال؛ كما أنه لم يكن مكاناً تقام فيه الشعائر المقدسة التى يؤم فيها إمامٌ جمهرةً من الناس؛ ذلك لأن المعبد المصرى كان لا يستقبل الجماهير داخل حرم المعبد نفسه.
ومهما يكن من أمرهم، فهم لم يخرجوا عن كونهم مواطنين مأذونين من الملك بأن يحلوا محله فى أداء بعض الطقوس المادية اللازمة للصالح العام، والعقيدة لا تدين لأشخاصهم بعينهم بشئ. أى أنه لا يجب علينا أن ننظر إلى الكاهن المصرى بنفس الطريقة فى الديانات الحديثة، ولا أن نشبهه بالقسيس أو الحاخام أو غيرهما، أى أن اسم الكاهن ببساطة ترجمة حديثة لعدد من الأعمال الدينية المرتبطة بالمعبد المصرى القديم.
نشـأة الكهـانة
لما كان الفرعون -بوصفه ملكاً على مصر- ابناً وخليفة للأرباب، يقدم لهم القرابين باعتبارهم أسلافاً له، كما كان كأى فرد عادى يقدم قرابينه لأرواح أجداده، فمن ثم كان هو الكاهن الأول لكل معبود فى البلاد، وبالتالى كان عليه أن يقوم بالطقوس الواجبة نحو المعبودات كافة.
وقد كان من المستحيل على ملك مصر -بعد أن أصبحت مصر مملكة موحدة- أن يكون هو الإمام الفعلى فى إقامة الطقوس، لكنه احتفظ بهذه الإمامة إسمياً فقط، وبقيت له صورها مرسومة على المعابد. فكثيراً ما نجد الملك مصوراً فى النقوش والمناظر وهو يقوم بالشعائر وطقوس التقدمة للمعبودات والأرباب داخل المعبد.
أما من الناحية العملية فإن الملك نزل عن هذه الإمامة لمتخصصين انتدبهم ليقوموا بها بدلاً عنه، أو كان ينيب عنه أولاده أو أحد الأمراء من أسرته، أو أحد خلفائه من رجال البلاط. وقد كان أمثال هؤلاء بمثابة نواب الفرعون فى أمور الدين، وهذه النيابة الدائمة تتمثل فى منصب (كبير الكهنة).
أى أن الكهنة كانوا منوبين عن السلطة الملكية المؤلَّهة، وقد جاء فى أحد فصول الشعائر المقدسة على لسان كاهن: (إن الأرباب قد أعدوا لى السبيل، وأن الملك هو الذى يرسلنى لاجتلاء طلعة المعبود). أى أن الملك هو الذى كان يعين الكهنة الذين كانوا عادة ما يُختارون من أسمى درجات المجتمع، بل من الدم الملكى أحياناً .
وقد كانت السلطة التى حظى بها هؤلاء الكهنة لدى الشعب تعتمد فى جوهرها على أنهم كانوا يعتبرون حماة للأشياء المقدسة، وبهذا لم يكن لهم أن يسمحوا بإدخال أى تغيير، وخاصة على المظاهر الشكلية للصلاة، وهى التى كان الشعب يراها.
وقد ظل الكهنة يحافظون على معتقدات شعبهم طوال آلاف السنين، كما حرصوا على الإبقاء على ما وصل إليهم من أجدادهم. وكان من الطبيعى على شعب زراعى مثل الشعب المصرى أن يتمسك بكل هذه العقائد، ولكن الإبقاء عليها بكل ما تحويها من دقائق بسيطة مختلفة لم يكن إلا نتيجة لتفقه أولئك الكهنة فى عالم الكهنوت
طقسة التطهيرمن مقبرة سن نجم. بدير المدينة
ويعتقد "جاردنر" أن هذه الطقسة كانت جزءاً من الخدمة اليومية الخاصة بالمعبد. ولقد أعطى كل من "أوتو" (Otto) و"كيس" (Kees) تفسيراً لهذه الطقسة بناء على ما جاء فى "نصوص الأهرام" (Pyr. 28; 27-29; 36; 53)، وتذكر إحدى هذه الفقرات: (إن البخور هو بخور "حورس"، وبخور "ست"، وبخور "ﭽحوتى"، وبخور "دون عنوى"؟). وبمقارنة الفقرة بأحد نصوص الأسرة الثامنة عشرة نجد أن هذه المعبودات قد ظهرت مرتبطة بالطقسة. وكدلالة على اختصاصهم بها، يذكر نص -على أحد تماثيل المتوفى- فى فتح الفم: (طهارتك هى طهارة "حـور"، طهارتك هى طهارة "سـت"، طهارتك هى طهارة "ﭽحـوتى"، طهارتك هى طهارة "حـور"، "دون عنـوى")
ولم يكن الكهنة يرتدون غير ثياب من الكتان، وكانوا يحرمون على أنفسهم بعض الأقمشة كالصوف أو الجلد الذى كان يؤخذ من كائنات حية تصيب لابسها بالقذارة. وقد ذكر "هيردوت" فى ذلك: "ويلبسون ثياباً من الكتان يهتمون دائماً أن تكون حديثة الغسيل". ويذكر أيضاً: "ويلبس الكهنة ثياباً من الكتان فقط، وأحذية من البردى، وغير ذلك من الملابس والأحذية محظورٌ عليهم لبسهـا إلا قليلاً".
جزء من بردية تصور كتاب الموتى ويتضح بها الكهنة وزيهم وهم يؤدون طقسه فتح الفم
وقد كان زى الكهان على مر العصور ثابتاً، ولم يكن يميز هذا الزى إلا بعض التفاصيل التى تحدد وظيفة كل كاهن، كالوشاح الذى يتشح به الكاهن المرتل. فأما الكهنة المتخصصون، وكذلك كبار الكهنة، فكان من حقهم أن يخالفوا ذلك.
فالكاهن المسمى (sm) أو (stm)، كان يرتدى جلد الفهد، على حين كان كهنة "عين شمس" يحملون رداء جلد فهد مزخرف بحليات على هيئة نجوم. كما كان كبير كهنة "منف" يحمل قلادة ذات شكل خاص، ويزين رأسه بذؤابة مضفورة تنحدر على السالفة. وعلى أية حال، فإن هذا الزى كان يزيدهم وقاراً وهيبة. وقد كانت النعال المصنوعة من البردى من أزياء الكهنة الذين عاشوا وسط شعب كان يمشى بمحض اختياره حافى القدمين، كما أن النصوص المصرية قد وضعت النعال البيضاء ضمن لباس الكهنة .
كما كان لزاماً على من يلتحق بالكهنوت أن يتعلم العلوم اللاهوتية للقيام بواجباته، وكان عليه أن يقضى فترة فى التدريب على طقوس العبادة الصارمة. وهذا إلى جانب ضرورة توافر شروط ثلاثة أساسية أقرها المؤرخون لكى يحق للفرد أن يلتحق بسلك الكهنوت، وهى: الوراثة، والترشيح، وشراء الوظائف.
حتمت الظروف الطبيعية أن يكون شرف إدارة المعبد -منذ أقدم العصور- من حق الأسرات الكبيرة القديمة. وكان المنصب الدينى فى الدولة الوسطى كذلك وراثياً فى عائلات معينة. وما دام الكاهن قد ورث وظيفته عن أبيه الذى كان كاهناً فى المعبد، فإنه يستطيع عمل التقدمات، وأداء كل الاحتفالات.
وقد ذكر "هيردوت" فى الفصل (137) أنه: "عندما يموت أحدهم، يتم تنصيب ابنه محله". وقد كانت من أعز الأمنيات عند المصريين القدماء أن يروا الابن وهو يمتهن مهنة أبيه؛ ولهذا تذكر النصوص عدة أمثلة لأسرات حقيقية من الكهنة.
وإن بدا أن حقوق الوراثة لم تكن قاعدة عامة، ولكن بمثابة تقليد متبع. وقد عثر على وصايا من الدولة القديمة يطلب فيها الكاهن أن تؤول وظيفته إلى وريث يحدده بنفسه. وكان الرجل يزعم أحقيته فى وظيفة كهانة معبد بقوله أنه كان ابناً لكاهن هذا المعبود.
وهناك فى العصر المتأخر تعرض لنا سلسلة أنساب أصحابها، ويذكر بعضهم أن أسلافه -حتى الجيل السابع عشر- كانوا من كهنة معبود بعينه، وذلك مثلما حدث فى بداية الأسرة الثانية والعشرين، حيث أن عائلة "شاشنق" -والتى يُعتقد أنها أسرة ليبية- كان أفرادها يندمجون بين كهنة رب "إهناسيا"، وهو المعبود "حرى شا.ف".
ولكن هناك أمراً لا يمكن إغفاله فى هذا الصدد، وهو أن فضل الملك فى هذا الأمر كان لابد وأن يكون واضحاً؛ وذلك لأنه بهذا الفضل يستطيع الابن أن يحل محل أبيه. وهكذا عندما أراد الملك "بسماتيك الأول" (الأسرة السادسة والعشرين) أن يكافئ "بيتزيس" بسبب خدمته الجليلة، فقد منحه لقب (كاهن فى كل المعابد)، والذى كان يحمله والده حين كان يشغل هذه الوظيفة، مع أن "بيتزيس" لم يكن حتى ذلك الوقت قد مارس الكهانة.
الترشيح والتزكية
حينما كانت الوراثة تتعثر أو تُلغى، وحين يكون هناك مكان شاغر، كان كهان المعبد يعقدون اجتماعاً يتفقون فيه على اختيار من أسعده الحظ بالانضمام إلى زمرة طوائفهم المقدسة. أى أن المرء فى هذه الحالة كان يصبح كاهناً بالترشيح ثم التزكية والمبايعة من جانب الكهنة الآخرين، ودون أن يكون من أسرة الكهنة بالضرورة . وربما كان الكهنة يلجأون فى ذلك إلى وحى المعبود.
التعين بمرسوم ملكى
من المعروف أن الملك كان هو الذى يعين سائر الكهان، وأن اختيار الكهنة كان من حق أو سلطة الملك وحده . غير أن واقع الأمر أن ذلك كان مقصوراً على تعيين كبار رجال الدين وكبار الكهنة فى المعابد الكبرى. وهذا فضلاً عن ترقية من يُعجب الملك بنشاطه وكفاءته من الكهان، وذلك كما حدث بالنسبة للكاهن "نب وى" من أيام "تحتمس الثالث"، والذى رُقى إلى رتبة (رئيس كهنة "أوزير")، ثم أصبح بعد ذلك -بسبب حظوته عند الفرعون- المتحدثَ الشخصى باسم الملك فى معبد "أحمس الأول" فى "أبيدوس". أما تعيين صغار الكهنة فى المناصب الأقل شأناً فكان متروكاً للوزير فى الأغلب.
ونلاحظ أن الملك "توت عنخ آمون" -عندما أراد أن يعيد تنظيم كهانة "آمون" بعد اضطهادهم فى فترة "العمارنة"- قد اختار أعضاءها الجدد من بين طبقة النبلاء التى لم تزل -فيما يرى- النخبة الممتازة فى البلاد. وهكذا جمع كهنة من أبناء أعيان مدينتهم، وكل منهم ابن رجل بارز معروف الاسم .
وهذا فضلاً عن حق الملك فى أن ينقل أى كاهن من معبد إلى آخر، مثلما حدث على أيام الملك "رعمسيس الثانى" عندما عين كبير كهنة "آمون" فى "طيبة" من بين رجال معبد "أبيدوس". وقد جاء فى قرار التعيين:
هـا أنت من الآن كبير كهان "آمـون"، وسائر كنوزه وخزائن غلاله تحت يمينك، أنت رئيس معبده، وكل خدمه تحت سلطانك. فأما معبد "حتحـور" فى "دنـدرة" فسيئول إلى سلطان ابنـك، فضلاً عن وظائف آبائـك، والمراكـز الذى كنت تشغلها أنت .
ومن ذلك نلاحظ بصفة عامة أن النفوذ الملكى لم يتدخل فى تعيين رجال الدين إلا فى حالتين محدودتين:
1- عندما يود الملك أن يكافئ أحد الكهنة أو أحد موظفيه، مثل حالة "نب وى" فى عهد "تحتمس الثالث"، أو "بيتزيس" فى عهد "بسماتيك الثانى".
2- وعندما كان الملك يود -مدفوعاً بأغراض سياسية داخلية- أن يغير ميزان القوى، وهذا ما حدث فى الدولة الحديثة خاصة نتيجة لتزايد نفوذ كهنة "آمون" فى ذلك الوقت؛ ولهذا كان يختار رئيس كهنة "طيبة" من خارج إطار كهنة "آمون" الأقوياء، ومثال ذلك ما حدث فى عهد "رعمسيس الثانى" .
وفيما عدا ذلك هناك قواعد يجب اتباعها، ولا يمكن تجاوزها. وكان الانخراط فى سلك الكهنوت -مهما يكن من أمر- يخضع لإشراف حازم على الدوام.
وقد كان هؤلاء الكهنة فى الأسرة الرابعة يُنتخبون من بين رجال القصر وعظماء رجال الدين. وفى الأسرة الخامسة كان بعضهم ينتخب من كبار الموظفين . أما بعد ذلك -فى الدولة القديمة أيضاً- فقد اعتبر كهنة الـ (wab) من الطبقات الأقل شأناً فى التدرج الكهنوتى.
الكاهن المرتل (Xry- Hb)
وهناك صعوبة فى التفرقة الدقيقة بين هذه الطبقات، خاصة مع اختلاف المكانة والأدوار المنوطة لكل طبقة من عصر إلى آخر وفقاً لعدد من العوامل الدينية والسياسية والحضارية. وعلى ذلك يمكننا أن نرسم خطوطاً عريضة لطبقات الكهنة. وكانت الخدمة الدينية تؤدى للمعبود بواسطة خادمه، وكان "الكاهن المرتل"
وهو الذى يرتل الدعوات والأناشيد فى الأعياد، وكانت أعمال هذا الكاهن تنحصر فى تنظيم الاحتفالات الشعائرية، وترتيل الأناشيد الخاصة بالعبادة. ونشاهد هذه الطائفة من الكهنة فى المناظر غالباً وهم يقرءون من ورق البردى الصيغَ المناسبة لكل حفل دينى.
طبقة الكهنة العظام
وهم الذين كان يُسمح لهم بحضور كل الشعائر التى كانت تقام للمعبود فى قدس الأقداس بالمعبد. وهم أرقى درجات الكهانة، ولهذا يطلق عليهم (كبارالكهنة). وليس هناك اصطلاح خاص فى اللغة المصرية للتعريف بهذه الوظيفة. وفى المعابد الكبرى لهم ألقاب ترجع إلى أصل بالغ القدم، أو لهم ألقاب خاصة تشير إلى وظائفهم الفعلية فى خدمة المعبود الذى كانوا ينتمون إليه، والتى تشير إلى عبادة المعبود نفسه.
ومن هنا فإن الكاهن الأكبر فى "هليوبوليس" (عين شمس) كان يسمى:
(wr-mAw)،
أى: (كبير الرَّائين)، أو: (كبير الناظرين). وقد كان من قبل يسمى: (مَن يستطيع رؤية العظيم، أى المعبود)، وهو اللقب الذى تم تحويره بعد أن أعادت الأجيال التالية تفسيره إلى: (أعظم الرَّائين يستجلى طلعةَ المعبود "رع"). كما كانت تطلق عليه ألقاب إضافية أخرى، مثل: (الذى يرى سرَّ السماء)، و: (رئيس أسرار السماء)، كما لو كان كبيراً للفلكيين.
وكان كبير كهنة المعبود "بتـاح" فى "منف" يحمل اللقب
(wr-xrp(w)-Hm(w))
بمعنى: (رئيس الصناع)، أو: (الزعيم الأول للفنانين)، كما لو كان المعبد مصنعاً للمعبود.
وربما كان كبير كهنة "بتاح" يشغل فى الواقع وظيفة (الرئيس الأعلى للفنانين) فى مدلولها المعنوى، فقد كان فى الدولة القديمة يعتبر رئيساً فعلياً لكل أعمال النحاتين، والأعمال الأخرى المماثلة.
وكان يشغل هذه الوظيفة فى الدولة القديمة -فى وقت ما- رجلان فى نفس الوقت، ربما لتوزَّع عليهما أعمال هذه الوظيفة التى كان نصفها دينياً، ونصفها الآخر دنيوياً.
وقد كان الكاهن الأكبر للمعبود "ﭽحوتى" فى "الأشمونين" يحمل اللقب
(wr-diw)
أى: (كبير الخمسة)، ويُقصد به: (كبير الخمسة فى بيت أو معبد "ﭽحوتى").
وقد كان رئيس كهنة "آمون" فى "طيبة" يحمل لقب
(tpy Hm-nTr n Imn)
بمعنى: (الكاهن الأعلى لآمون)، والذى كان له مكانة متميزة ودور بارز خلال الدولة الحديثة. وكان يحمل نفس اللقب أو لقب (الكاهن الأول) رئيسُ كهنة كل من المعبودات "مين"، و"إنحور"، و"حتحور".
وقد كان الكاهن الأكبر هو الذى يمثل الملك فى المعبد، وكان يقوم فى غياب الملك بالشعائر الدينية بالإضافة إلى الوظائف الإدارية. وقد كان على رأس كهنة "آمون" -بعد الكاهن الأكبر لآمون- كهانٌ آخرون يُطلق عليهم (الكاهن الثانى، والثالث، والرابع)، وكانوا يعملون كمساعدين للكاهن الأكبر فى المهام الروحية والإدارية.
وقد كان أول ظهور للقب (الكاهن الثانى لآمون) فى عصر الملك "أحمس الأول" فى بداية الأسرة الثامنة عشرة ؛ وكان يحل محل الكاهن الأول الذى كانت مهامه الدينية والسياسية تضطره -فى أحيان كثيرة- إلى الغياب عن معبد "الكرنك"؛ ولكن كان كثيراً ما يختص بأملاك المعبد، وكان يعاونه "الكاهن الثالث والرابع" فى تصريف الأمور فى أملاك المعبود الكبير.
الطبقات الأخرى للكهنة
وهناك طبقات أخرى كانت أقل شأناً، وكان كهنة هذه الطبقات يعاونون الكهنة العظام الذين يكرسون كل حياتهم فقط للمعبود فى أداء الخدمات الكثيرة الواجبة نحو المعبودات. وكانت هذه الطبقات تقسَّم إلى أربع مجموعات أو فرق، ثم ازداد عددهم إلى خمس فرق اعتباراً من عام 238ق.م.
وقد كانت كل فرقة تخدم فى المعبد ثلاث فترات فى السنة، كل فترة مدتها شهر واحد، أى أنهم كانوا يخدمون ثلاثة أشهر فى السنة (ليست متصلة).
وكانت التسمية المصرية القديمة للفرقة (sA)
وفى العصر اليونانى كانت التسمية " فَيلى" (phylé)، أى: (مجموعة، فرقة). أما فى غير أوقات النوبات (النوبتجيات)، فكانوا يعملون بالورش داخل الحرم الإلهى حسب مهنهم، أو يعملون بالزراعة فى مزارع المعبود، وأحياناً ما كانوا يكلفون بمهام خارج المعبد.
ويمكن تقسيم هؤلاء الطبقات إلى ثلاث طوائف:
- الكهنة المرتلون.
- الكهنة المطهرون.
الغرض من إقامة الطقوس الدينية للمعبود
لم يكن المعبود المصرى قوة معنوية تُعبد فى أى مكان، وإنما كان فى نظر المصريين القدماء كائناً ذا وجود مادى، وله احتياجات كاحتياجات البشر؛ إذ يطلب الغذاء والكساء والزينة. ومن هنا كان العاملون فى خدمته من رجال الكهنوت أشبه بمن يحيطون بعظيم فى قصره، ويتسمون مثلهم بخدمته.
وكان الكهنة يضمنون خلود نظام الكون وفقاً لما استقر عليه منذ اليوم الأول للخليقة، وذلك شرط قيامهم بالشعائر المستحقة نحو المعبود. فبدون إتمام هذه الشعائر اليومية المسئول عنها أولئك الكهنة، يمكن أن يعود الكون إلى حالة الفوضى الأولى .
والحقيقة أن حفظ التوازن الكونى كان أولاً مهمة الملك، والذى كان لابد عليه عمل "الماعت" (mAat) فى مصر، ولهذا كان يفرض القوانين ويشرعها من ناحية، وينيب عنه الكهنة فى أداء النواحى الدينية. أى أن الدور الرئيسى للكاهن كان يتلخص فى الوساطة لحماية النظام الكونى.
واجبات الكهنة
القيام بالشعائر اليومية للمعبود
كان الكاهن هو المنفرد بحق الاقتراب من المعبود فى قدس الأقداس بالمعبد، حيث يقوم بأداء ثلاث شعائر فى اليوم، وهى: شعائر الصباح، والظهيرة، والمساء.
خدمة الصباح
عادة ما كان الكهنة والعاملون فى المعبد يستيقظون منذ الفجر، وذلك بناء على إشارة الكاهن الذى يراقب النجوم لتحديد الوقت المناسب لإيقاظ هذه المملكة أو المؤسسة المقدسة.
ومع شروق الشمس يبدأ النشاط فى أنحاء المعبد، فالمخازن والمخابز والمطابخ تصبح كلها فى حركة دائبة، وذلك تحت إدارة الكتبة الذين يعطون الأوامر والطلبات للتقدمة اليومية لتطهير أجسامهم، ثم يدخلون المعبد، ويقصدون أولاً إلى الممرات المحيطة بقدس الأقداس، حيث يؤدى كل منهم واجباته. فمنهم من يغير الماء فى الأحواض، ومنهم من يطلق البخور، ومنهم من يقوم بتطهير أنحاء المعبد.
وأخيراً يدخل حاملو القرابين ومعهم مرتلو الأناشيد، فيتقدمون نحو صالة القرابين، حيث يضعون الطعام والشراب على المائدة، ويطلقون من حولهم البخور، ويطهرونها بالماء .
ويبدأ بعد ذلك الجزء الرئيسى فى الطقوس اليومية، وهو خدمة تمثال المعبود نفسه، حيث يقوم الكاهن بالدخول إلى قدس الأقداس لتنظيف التمثال وتزيينه، وإلباسه حلته وأوسمته، وتقديم وجبته. وفى خدمة الصباح يدخل هذا الكاهن إلى قدس الأقداس المسمى "ﭽسر ﭽسرو" (sr srw)، وقد غشيه الظلام لأن الشمعة قد تكون قد انطفأت، فيبدلها وينشر النور.
ويفضى الكاهن بعد ذلك إلى الناووس، فيكسر الختم، وتسمى هذه الطقسة (طقسة كسر الختم)
ثم بعد ذلك يعمل (طقسة شد المزلاج) .
ثم بعد ذلك يتلو الصيغة التالية: (إن ما يحمله المعبود هو عين "حـور")
وكان المزلاج نفسه يوصد بأصبع المعبود "ست"، لأنه يكون بمثابة عقبة فى سبيل إنجاز الخدمة الإلهية، وكان فتح المزلاج يعنى النصر على "ست"، العدو الأبدى للمعبودين "أوزيـر" و"حـور".
وبعد ذلك يفتح الكاهن الأبواب ويكشف وجه المعبود، ويقوم الكاهن للصلاة مرخياً ذراعيه على جانبيه فى خضوع واحترام مكرراً دعاءه أربع مرات ليبلغ آفاق الوجود الأربعة، ثم يقول: (إننى أمجد جلالتك بتلك الكلمات المختارة بصلوات تزيد من جلالك فى أسمائك العظمى، وفى تجليك المقدس الذى أشرقت به أول أيام الدنيا).
ثم بعد ذلك تأتى عملية الإطعام والتزيين، حيث تُخلع عنه أردية الأمس، وتُستبدل بأخرى جديدة، ثم يتم تزيينه وتعطيره بالزيت.
وكانت خاتمة طقوس الصباح هى رش الماء على الناووس وعلى التمثال، ثم على قدس الأقداس تأكيداً للطهارة المادية، وبعد ذلك يتم إغلاق أبواب قدس الأقداس على ذخائره، ثم ينصرف الكهنة إلى تأدية واجباتهم الأخرى .
خدمة الظهيرة والمساء
وهاتان الخدمتان تشبهان إلى حد كبير خدمة الصباح، ولهذا لن ندخل فى تفاصيل هذه الخدمات. فبعد خدمة المساء، وحين يسدل الظلام أستاره على الوادى، تروح المعبودات مثل البشر فى سبات عميق، ولا يبقى غير الكاهن الفلكى ليرصد من فوق الشرفة -التى تكون فوق المعبد- ظهورَ النجوم يتلو بعضها بعضاً، ليحسب بذلك عدد ساعات الليل .
واجبات الكهنة أثناء الاحتفالات
كانت هناك واجبات أخرى تقع على كاهل كل الكهنة فى أيام الاحتفالات ومواكب الأعياد؛ ففى هذه الاحتفالات كانوا يحملون الناووس المقدس الذى يحوى تمثال المعبود ليقوم بالمشاركة فى الاحتفال، مثل عيد "الأوبت" فى "طيبة". إذ كان الكهنة -حَمَلة الزورق المقدس- يُطلق عليهم لقب (Rmnw)،أى (الكتَّـافَة)، إشارة إلى أنهم كانوا يحملون الزورق على أكتافهم. وقد كانوا يريدون من وراء ذلك ما يرفع من قدرهم، ويزيد من شهرتهم بين أهل بلدتهم، وليكون لهم فى قلب المعبود مكانٌ من الرضا.
وفى هذا الصدد يتحدث أحد المصريين من عصر "الرعامسة"، قائلاً: (لقد حملت "بتـاح" على ذراعـى، فليمنحنى هذا الرب من فضله نوراً). وعلى أية حال فقد كان دور الكهنة لا يقتصر على خدمة المعبود داخل المعبد، ولكن خارجه أيضاً، حيث تخرج المواكب، وعليهم القيام بالفرائض الدينية المتصلة بجوهر الاحتفال. أى أن الكهنة هم خدم المعبود، سواء داخل المعبد، أو خارجه .
.
الظواهر المميزة لخدمة تمثال المعبود
تتميز الخدمة اليومية لتمثال المعبود عن غيرها من الطقوس الدينية بمزيتين رئيستين:
- أن الذى يقوم بهذه الخدمة (وهو الشخص الذى يُسمح له بالدخول إلى قدس الأقداس) كان هو الملك نفسه، أو الكاهن الذى ينوب عنه، وذلك دون غيرهما من أفراد هيئة المعبد . وهذا المعنى هو الذى يعبر عنه الكاهن فى قوله: (إننى الكاهن "حم نثر"، إن الملك هو الذى أمرنى أن أرى المعبود).
- أن الطقوس اليومية الخاصة بخدمة تمثال المعبود كانت فى جوهرها واحدة للمعبودات المختلفة، فهى تؤدَّى بنفس الأسلوب مع مختلف الأرباب .
ويذهب "والتر ب. إمرى" إلى أبعد من ذلك، فيقول أن الطقوس الدينية التى كانت تقام للمعبود -منذ فجر التاريخ فى قدس الأقداس- كانت متشابهة مع تلك التى نعرفها فى العصور المتأخرة، والتى يُنظر إليها على أنها الخدمة اليومية للتمثال . ويرى "سليم حسن" أن هذا التوحيد فى الطقوس الدينية لمختلف الأرباب تفسيره هو أنه كانت فى مصر وحدة عظيمة منظمة لإقامة الشعائر اليومية للمعبودات توجد فى المعابد المختلفة.
وإن صح الرأى الأخير، ولكن التطابق فى الشعائر اليومية بين المعبودات المتعددة وفى مختلف المعابد يؤكد لنا وجود أصل واحد خرجت منه هذه الشعائر. والواقع أنه منذ الأسرة الثالثة كانت عبادة "رع" قد بدأت تستقر وتمد تأثيرها على الملك الحاكم الذى لم يعد منذ الأسرة الرابعة هو "حورس" فقط، ولكن أصبح ابن رب الشمس "رع" (سـا رع).
وهذه القوة الدينية والسياسية التى اكتسبها "رع" دفعت عدداً من الأرباب إلى الاتحاد معه، وبالتالى انتقال كيفية أداء الطقوس والشعائر داخل المعبد من كهنة "رع". وكانت النتيجة أن الطقوس الدينية والسياسية التى اكتسبها "رع"، والتى أخذ بها عند المعبودات المختلفة، أصبحت أيضاً هى بعينها الطقوس المقامة للمعبود "رع آتوم" يومياً، كما حدث هذا أيضاً فى معابد غيره من الأرباب والربات .
وكان الكاهن يقوم بتطهير تمثال المعبود، كما كان المعبود "رع" يتطهر كل صباح فى البِركة المقدسة. ومن "نصوص الأهرام" نلحظ أن المعبودين "حـور" و"ﭽحوتى" كانا يساعدان رب الشمس فى طقوس التطهير. وكذلك فإن تقدمة "ماعت" كل يوم للمعبود كانت مرتبطة أيضاً بالعقيدة الشمسية.
وقد تركت الشعائر الأوزيرية تأثيرها على المعبودات المختلفة، فقد امتدت أساطير الصراع بين "ست" و"أوزير" إلى التماثيل والطقوس. وبوجه خاص التقدمة المقدسة للمعبود، والتى اعتبرت بمثابة (عين "حور") تقدم كقربان إلى "أوزير". ومن هذين المصدرين (العقيدة الشمسية، والعقيدة الأوزيرية) استمد المصرى القديم طقوسه، وصاغ تراتيله ، وأحاطها بكثير من القداسة التى حافظت عليها على امتداد العصور.
ويلاحظ أن المصادر الأصلية التى نعتمد عليها فى معرفة الطقوس الخاصة بالخدمة اليومية للتمثال الخاص بالمعبود، لا تتفق فى تفصيلاتها، فنجد أن عدد فصول الخدمة اليومية فى بردية "برلين" 66 فصلاً؛ فى حين يمكن إدراج مشاهد معبد "أبيدوس" تحت 36 فصلاً فقط. ومن هنا نستطيع القول بأن الاختلاف كان فى الأمور السطحية، أما الجوهر فى مظاهر الخدمة اليومية فى كلا المصدرين فكان واحداً. وتنقسم مظاهر الخدمة اليومية للمعبود إلى قسمين رئيسين هما: - تنظيف تمثال المعبود وتزيينه.- تقديم وجبة المعبود.
ومن الأمور الهامة التى يقوم بها الكاهن قبل دخول المعبد -كما سبق الذكر- هو التطهر فى البحيرة المقدسة الملحقة بالمعبد، وعند وصوله إلى المعبد يشعل النار أولاً، ثم يملأ مبخرة بالبخور، ومادة مشتعلة، ثم بعد ذلك يتقدم إلى قدس الأقداس، حيث يوجد المعبود طوال الليل. وينزع الكاهن الخاتم الطينى من الباب، ثم يدفع المزاليج، ويفتح مصراعى الباب.
ثم يظهر له تمثال المعبود، فيقوم الكاهن بتحية المعبود راكعاً على الأرض من أمام تمثاله. وبعد ذلك يرتل بعد الصلاة نشيداً، ويقدم له العسل أولاً، ويحرق المزيد من البخور، بينما يدور أربع دورات حول التمثال، ثم يقدم قربان (ماعت) فى هيئة شكل أو تمثال الربة "ماعت". ويقوم فى النهاية بأخذ تمثال المعبود من مقصورته، وينزع الملابس القديمة عنه، ثم يمسحه بالزيت المقدس.
تعرض نقوش معبد "أبيدوس" وبردية "برلين" فصولاً طويلة فى خطوات عملية تنظيف تمثال المعبود وتزيينه. والخطوات الأساسية فى هذا الجانب هى:
التطهير
كما ذكرنا من قبل، كان لزاماً على الكاهن -قبل دخوله إلى المعبد- القيام بتطهير نفسه, ثم ارتداء الملابس الكهنوتية .
وكان التطهير يتم فى بيت الصباح، وهو عبارة عن حجرة صغيرة توجد خارج المعبد ملحقة به . ويتم التطهير عادة قبل بدء الطقوس. ويرى البعض أن عملية التطهير كانت تتم فى البِركة المقدسة، ولكن الأرجح هو الرأى الأول، وهو أن التطهير كان يتم فى (بيت الصباح)، وذلك لأن طقوس التطهير فى (بيت الصباح) كانت تتكون من عدة شعائر للتطهير، مضافاً إليها وضع التاجين الأبيض والأحمر فوق رأس الكاهن .
ويبدو أن هذه الشعيرة كانت مهمة وضرورية لتؤكد نيابة الكاهن عن الملك فى شعائر الخدمة الخاصة لتمثال المعبود. أما التطهير فى البِركة المقدسة فقد كان مجرد شعيرة للتطهير فقط، ويلتزم بها جميع الكهنة دون تفرقة.
ويذهب "أليوت" إلى أن التطهير فى بيت الصباح كان يحدث فقط فى المناسبات، أما فى الأيام العادية فكان الكاهن يتطهر فى البِركة المقدسة، وذلك أسوة بزملائه؛ وذلك لأن طقوس التطهير فى (بيت الصباح) طويلة، وليس من المعقول أن يؤديها الكاهن كل يوم، فضلاً عن أن ما يُفهم من مناظر معبد "إدفـو" من العصر البطلمى هو أن التطهير كان يتم فى البِركة المقدسة.
دخول "قـدس الأقـداس"
بعد التطهير فى "بيت الصباح"، يتجه الكاهن إلى حجرة القرابين، حيث يتسلم مبخرة من كاهن آخر للقيام بتبخير القرابين التى تم إحضارها إلى هذه الحجرة فى الصباح الباكر . ثم يأخذ الكاهن فى يده اليمنى إناء التطهير، بينما يمسك فى يده اليسرى المبخرة المشتعلة، ويتجه إلى قدس الأقداس، فيشد المزلاج، ويفتح إحدى ضلفتى الباب، بينما مساعده الذى كان قد رافقه ينصرف بعد أن يغلق الباب وراءه.
وأثناء هذه الشعائر كان الكاهن يردد التراتيل، ومن بين هذه التراتيل: (لقد صعدت إليك، وطهورى فوق يدى، ولقد مررت على الربة "تفنوت"، فطهرتنى "تفنوت"، فأنا كاهن وابن كاهن هذا المعبد).
وقد كانت الحركات التى يؤديها الكاهن تعبر بشكل رمزى عن أسطورة "حورس"، فالكاهن يحمل إلى المعبود عينَ "حورس"، والمزلاج نفسه يرمز إلى أصبع عدوه التقليدى "ست"، لأنه يكون بمثابة عقبة فى سبيل إنجاز الخدمة الإلهية. فهو الذى يفصل الكاهن عن المعبود المغلق عليه قدس الأقداس .
وشد المزلاج وفتحه يعنى إحراز نصر على العدو الأبدى للمعبودين "أوزير" وابنه "حـور"، وهو المعبود "ست". وبينما يقوم الكاهن بشد المزلاج يردد التراتيل: (سيرخى الرباط، ويحل المقبض حتى يجتاز الباب، لقد طرحت أرضاً كل الشرور التى كانت علىَّ).
وعندما يُغلق باب قدس الأقداس على الكاهن، يصبح فى ظلام دامس، حيث أن قدس الأقداس عبارة عن حجرة صغيرة لا يدخلها النور إلا من باب الدخول، فيقوم الكاهن بإضاءة شعلة بواسطة نار المبخرة التى يحضرها. ومن هذه الشعلة كانت تخرج رائحة ذكية تفوح بعطرها عند اشتعالها، وهذه الرائحة تعطر قدس الأقداس، وتطهره.
ويعتبر قدس الاقداس أهم أجزاء المعبد، وهو "مقصورة المعبود" التى تُعرف فى المصرية القديمة باسم "ست ورت"، أى: (العرش الكبير)، أو: (الموضع العظيم)، وهو نفس الاسم الذى يطلق على "عرش الملك". وقد يدل هذا على أن كلاً متوجٌ فى مكانه، الملكُ فى قصره، والمعبودُ فى معبده، حيث يقيم وتقدَّم له شعائر التعبد والقرابين. والناووس الذى كان يحفط تمثال المعبود به كان يتناسب حجمه مع حجم التمثال.
ولقد جُعل وسط قدس الأقداس قاعدة ليستقر عليها الناووس أو الزورق المقدس . وقد تنفصل حجرة قدس الأقداس عن حجرة الزورق المقدس كما فى معبد "الأقصر".
ويرى "أرنولد" أن مساكن المعبودات كانت تشتمل على حجرة للتمثال حيث يقيم فيها، وحجرة أخرى لمائدة القرابين حيث ينادى على المعبود ليتناول وجباته الغذائية، وحجرة ثالثة كبيرة نسبياً خصصت للزورق المقدس الذى كان المعبود يستعمله فى تنقلاته الخارجية (فى الأعياد والاحتفالات).
وقد اعتبر المصرى القديم تمثال المعبود فى قدس الاقداس "سـراً أكبر من الأسرار الخاصة الموجودة داخل السماء، وسراً أكبر من الأسرار الخاصة بالعالم الآخر، ومختفياً أكثر من سكان العالم الأزلى". وعلى هذا الأساس كان التمثال يوضع داخل مقصورته أو ناووسه، ويغلق عليه، ثم يوضع فى حجرة خاصة به، هى حجرة التمثال المعروفة بقدس الأقداس. وكان هذا التمثال هو محور الخدمة اليومية فى المعبد، ولم يعتقد المصرى القديم أن التمثال هو المعبود، ولكنه اعتقد أنه من خلال طقوس معينة تتقمصُ روحُ المعبودِ فى تمثالِه. وغالباً ما يشتمل المعبد على مقاصير بعدد الأرباب والربات الذين يُعبدون فيه، وكانت المقاصير فى الغالب ثلاثة للثالوث المقدس فى المعبد.
ويجب ملاحظة الصعود التدريجى والظلام التدريجى الذى يبدأ من صرح المعبد حتى قدس الأقداس. فالأرضيات ترتفع بالتدريج ابتداء من بهو الأساطين، وحتى قدس الأقداس . كما يلاحظ أيضاً أن سقف قدس الأقداس هو أقرب ما يكون من الأرضية، فهو أكثر انخفاضاً من باقى أجزاء المعبد.
وهكذا فالفناء المكشوف يغمره الضوء فى النهار، ويعقبه ضوء خافت فى بهو الأساطين، وظلام مقصود فى الحجرات الخاصة بالرب الذى يُعبد فى المعبد. وربما كان الهدف من ذلك بعث الرهبة والخشوع والإحساس بالغموض فى نفس أى شخص يدخل إلى هذا المكان المقدس.
وكانت جميع أجزاء أو أقسام المعبد الرئيسية تقام على محور واحد يتوسطه طريق يبدأ من مدخل المعبد حتى يصل إلى قدس الأقداس، وذلك لتحقيق السهولة لوصول موكب المعبود الذى يتجسد فى شكل التمثال الذى كان يُحمل داخل ناووسه على أكتاف الكهنة إلى خارج المعبد، أو إلى داخله.
كما يلاحظ أيضاً أن من التقاليد الدينية لبعض الأرباب -مثل "آمون"- أن التمثال المقدس كان يوضع فى مقصورة داخل زورقه المقدس، وكان يُحمل أيضا على أكتاف الكهنة مصحوباً بكبار رجال الدولة، وذلك فى مواسم وأعياد معلومة سنتعرض لها تفصيلاً فى فصل لاحق. وتعرف الطقسة الخاصة بالدخول إلى قدس الأقداس باسم (الطلعة الملكية
الكشف عن وجـه المعبود وتزيينه
وعقب الدخول إلى قدس الأقداس، يقترب الكاهن من الناووس الذى يوجد فيه تمثال المعبود، بينما تتردد خارج قدس الأقداس "أغنية الصباح" التى توقظ بها المعبودات . والأغنية التى تتردد خارج قدس الأقداس هى: (استيقـظى بسـلام، استيقظى بسـلام، إن يقظـتك هـادئة). وكما سبق الذكر، يبدأ الكاهن فى حل رباط الختم، وكسر الختم، ثم يشد أو يحل المزلاج, وفى هذه الأثناء يردد أنشودة يقول فيها: (إن الربـاط قد حُـلَّ، والختـم قد فُـضَّ، وكل ما فى شـرٍّ قد تُـرك جـانباً، إننى آتٍ لأحضـر لك عـينَ "حـور").
وبعد حل رباط الختم، وكسر وشد المزلاج، يبدأ الفصل الخامس بالكشف عن وجه المعبود . وتُعرف الطقسة الخاصة بالكشف عن تمثال المعبود باسم (رؤية المعبود). ويقوم الملك أو الكاهن المُوكَّل عنه بالوقوف أمام تمثال المعبود خاشعاً. وطبقاً للنصوص فهو (يقبِّل الأرض)، و(ينبطح على بطنه)، وإن كانت المناظر توضح أنه يُكتفى بالركوع فقط . ويرى "نلسون" أن الكشف عن وجه المعبود لا يعنى رفع غطاء عن التمثال، لأن التمثال لم يكن دائماً مغطى، وإنما الكشف هنا معناه مجرد رؤية المعبود .
ويسترسل الكاهن فى الانحناء أمام تمثال المعبود وتقبيل الأرض، وهو يردد: (إننى أقبِّـل الأرض، ووجهى إلى أسفل، لقد أتيت إلى سيدى...) . ويلاحظ أن التراتيل التى يرددها الكاهن أثناء هذه الشعيرة تتشابه مع صيغ الاعتراف بالبراءة عملية التبخير
وبعدما يقوم الكاهن برؤية تمثال المعبود، يبدأ عملية التبخير، وهى عملية معروفة باسم (إطلاق البخور)، بعد كشف الوجه بالمبخرة . ويقترب الكاهن من الجزء الذى يقوم فيه تمثال المعبود داخل الناووس، قائلاً: (سـلام على المعبـود، الـروح الحيَّـة التى تقهـر أعداءهـا، إن روحـك معـك، وعصـاك إلى جانبـك، وإننى لطـاهر) . وعندما يلمس الكاهن تمثال المعبود تحل روحه فى التمثال، ويصبح المعبود -من ثم- موجوداً فى المعبد.
إعادة دخول قدس الأقداس لاستكمال الشعائر
وتشير بردية "برلين" ومقاصير "أبيدوس" ومناظر المعابد البطلمية إلى أن الدخول إلى قدس الأقداس كان يحدث مرتين. وقد كان ذلك مثاراً للاختلاف بين الباحثين.
فبينما يعتقد البعض أن إعادة الدخول إلى قدس الأقداس مرة أخرى تمثل إقامة الشعائر للوجهين القبلى والبحرى ، يعتقد البعض الآخر أن إعادة الدخول إلى قدس الأقداس مرة أخرى كان بهدف إدخال القرابين إلى المعبود . وعلى أية حال فإن الكاهن يعود مرة أخرى إلى قدس الأقداس فى شعائر مشابهة للمرة الأولى .
ويرى آخرون أن الملك كان يدخل الناووس مرتين، الأولى بغرض التبخير والتطهير، والثانية ليقدم القرابين. وكان الملك يدخل الناووس ليحتضن التمثال، أو ليلمسه ليتبارك به .
وفى المرة الثانية، وبدلاً من إحضار (عين حورس)، يقدم للمعبود تمثال الربة "ماعت"، والذى يجعله يستمد حياته الحسية بالمفهوم المادى. وكما يقول الكاهن للمعبود: (إن عينك اليمنى هى "ماعـت"، وعينك اليسرى هى "ماعـت"، وجسمك هو "ماعـت"، وأعضاؤك هى "ماعـت").
ثم يقوم الكاهن بإخراج التمثال من الناووس بواسطة طقسة وضع اليدين على التمثال، ثم يحضر الصندوق الذى يحتوى أوانى البخور والمساحيق وربما الأقمشة المتعددة الألوان. ويبدو أن هذا الصندوق كان داخل قدس الأقداس بصفة دائمة. ويبدأ الكاهن برفع الأصباغ القديمة من التمثال، ونزع أرديته السابقة، ثم يقوم بطقوس التطهير بحرق البخور، والدوران حول تمثال المعبود أربع مرات، وذلك كما يظهر فى مقاصير "أبيدوس".
ويبدأ الملك أو الكاهن من هذه اللحظة معاملة تمثال المعبود معاملة الإنسان الحى، فيطهره ويلبسه ويزينه، ويمسحه بالزيوت المعطرة، ويقدم له الطعام والشراب . وبعد ذلك يتولى الكاهن إلباس التمثال رداءه، ويقوم بتجميله بالأصباغ، وتزويده بشاراته وصولجانه، وعصا الحكم والسوط، والأساور والخلاخيل، والريشتين اللتين يضعهما فوق رأسه ، ويصاحب ذلك كله تراتيل مختلفة.
وعندما يزيل الكاهن الدهان السابق من تمثال المعبود، يقوم بوضع الدهان الجديد، ويردد: (إننى أملؤك بالدهـون التى خرجت من "عيـن حـور" حتى تربـط عظـامك، وتضم أعضـاءك، خـذها إنهـا طيبة الرائحة، إنهـا فى طبيعتهـا "رع" عنـدما يرتفـع فى الأفـق).
وأخيراً يضع الكاهن كل الأدوات والأوانى التى استخدمها فى الطقوس داخل صندوقها، ثم يأخذ المبخرة ويطهر أرجاء الحجرة، ثم يغلق ضلفتى باب الناووس، ويخرج من قدس الأقداس.
تقديم وجبة المعبود
وكان تقديم الطعام والشراب بمثابة عملية رمزية روحية، فالمعبود لا يطعم ما كان يقدم إليه، وإنما المأكل والمشرب كانا يقدمان إلى تمثاله حيث تكمن الروح، ولذا كان ذلك يتم فى منأى عن الأنظار، حيث أن روح الطعام والشراب تذهب إلى روح التمثال دون أن تمس القرابين التى تكدست أمامه، وعندما يشبع المعبود بعد وقت محدد ومن معه من الأرباب الذين يقيمون معه فى حرمه المقدس.
وتوضع القرابين أمام تماثيل كبار رجال الدولة ممن حظوا بشرف إقامة تماثيلهم داخل الحرم المقدس، وبعد إطعام روح المعبودات وأرواح كبار الشخصيات من الموتى، وهو الهدف الأساسى للقرابين، تؤخذ هذه القرابين إلى مكان خصص لها، حيث توزع طبقاً لنظام محدد بين مختلف كهان المعبد. وهكذا كانت تعيش فئة الدنيويين من تلك القرابين المخصصة للمعبود، مستمتعين بحقيقتها المادية بعدما شبعت روح الأرباب وأرواح الموتى من كبار الدولة بجوهرها الروحى .
تقديم تمثال "ماعت" للمعبود
وبعد ذلك يقدم الملك إلى المعبود تمثالاً صغيراً للربة "ماعت"، ويعرف هذا الطقس باسم (تقدمة الـ "ماعت")، وهى هنا -بجانب الطعام والشراب- ترمز إلى الغذاء الروحى للمعبود. فالأرباب -طبقاً للنصوص المصرية القديمة- تحيا بالـ "ماعت"؛ إذ أنها بمثابة الضمان لحياتهم، وهى التى تمثل التوازن الذى يمنع الكون من الدمار (انظر فصل لاحق عن: الطقوس والشعائر والقرابين).
طقس وضع الذراعين على المعبود
وبعد ذلك يُخرج الملكُ التمثالَ من الناووس، ويضعه على الأرض؛ وهو الطقس المعروف بـ (وضع الذراعين على المعبود)، ثم يقوم بتطهيره وإلباسه، ومسحه بالزيوت المعطرة. ويبدأ الكاهن بتنظيف الناووس، ثم يقوم بنثر الرمال، ثم يحضر ما يحتاجه من مستلزمات التطهير من صندوقه بجانبه، وهو الطقس المعروف باسم (وضع اليدين حول الصندوق لعمل التطهير).
ثم يبدأ بعد ذلك بمسح الزينة القديمة من التمثال، وهى شعيرة (إزالة المدﭽت)، ثم يقوم بتغير ملابس المعبود. ويأتى التطهير بواسطة أوانى "دشرت" الأربعة، ومرة ثالثة بواسطة إناء "إعب"، ومعه أربع حبات من البخور. ثم يأتى عقب ذلك التطهير بواسطة البخور، ثم يقدم خمس حبات من ملح نطرون مصر السفلى، وخمس حبات من ملح نطرون مصر العليا، وأخيراً يبدأ الملك أو الكاهن بتزيين تمثال المعبود.
وبعد ذلك تبدأ شعيرة إلباس الجسد ثوب الـ"نمس"، ثم إلباس الثوب الأبيض، ثم إلباس الثوب الأخضر، ثم إلباس الثوب الأحمر، وأخيراً تقليد التمثال أشكالاً مختلفة من القلائد، نذكر منها قلادة "وسخت"، أى (الواسعة)، و"شسبت"، و"معنـﭽت". ويختم الكاهن الشعائر بالتطهير مرة أخيرة بالماء، وبأنواع مختلفة من البخور؛ ثم يُدخل التمثالَ إلى ناووسه، ويغلق باب الناووس، ويزيل الكاهن أخيراً آثار أقدامه قبل خروجه.
ويعتقد (Bonnet) أن الهدف ليس فقط العناية الخارجية بالتمثال من تنظيف وتزيين مثلما يفعل الانسان كل صباح من اغتسال وتزيين وتغيير للملابس؛ ولكن الهدف من الطقوس اليومية هو تحرير التمثال من الأرواح الشريرة، وأن يمنح يومياً قوة الحياة الإلهية، وجعله مركزاً لهذه الألوهية.
ويضيف "سيمفريد مرنس" أن الطقوس الخاصة بالخدمة اليومية تُكسب التمثالَ قوةً روحية وحيوية؛ فوجود الروح فى التمثال يؤكد وجود المعبود فى المعبد. وكان المصرى القديم يحتفظ بتمثال خاص يرمز إلى معبود بعينه، ويقدم لهذا التمثال فروض الاحترام بما ينم عن تقديسه للمعبود المتجسد فيه. ويوضح ذلك ما ذكره "بلوتارخ" نقلاً عن محدِّثيه من المصريين: (المسألة ليست أننا نكرم هذه الأشياء (أى التماثيل نفسها)، بل أننا نكرم عن طريقها الألوهية ما دامت هى بطبيعتها أشد المرايا صفاء لإظهار الألوهية، لذلك يجب علينا أن نعتبر هذه الأشياء بمثابة أداة (فى يد) الإله الذى ينظم كل شئ).
لعب الوحى دوراً هاماً فى حياة الشعب المصرى القديم. ولم يكن الوحى الإلهى إلا لعبة سياسية من قبل الكهنة ليخدعوا بها الشعب متذرعين بما يدَّعون أنه كلمة من الإله.
وفى العصور القديمة كان الكهنة يلجئون إلى الوحى للفصل فى المنازعات فى الغالب. وقد
لعب الوحى دوراً كبيراً فى العصر المتأخر، واشتهرت بعض المعابد فى هذا العصر بالوحى، مثل (معبد الوحى) فى واحة "سـيوة"، وكان مخصصاً للمعبود "آمـون"، ونال شهرة فائقة فى العصر المتأخر.
أى أن الكهنة لعبوا دوراً كبيراً فى ذلك بوصفهم القائمين بالوساطة بين المعبود والبشر، وبوصفهم حاملى كلمة المعبود، وناقلى الإرادة الإلهية للشعب. فقد كان الكهنة هم المسئولين عن الوساطة فى توصيل طلب الوحى أو الشكاوى للمعبود، وكذلك كانوا مسئولين عن إيصال رد المعبود إلى الناس. ولم يكن هناك كهنة مختصون تحديداً بهذا الإجراء، وإنما كان يقوم به كهنة المعبود فى معبده، أو فى مواكبه المقدسة . دور كهنة الجنازة
والكهنة كانوا يقومون بدور هام قبل دفن الموتى، فهم الذين يتلون فصول الشعائر الجنائزية، ويؤدون كل الشعائر والأدعية الخاصة بالاستعطاف، والطقوس المحببة على مومياء المتوفى أو تمثاله.
ويقوم الكاهن المسمى (sm) بطقسة (فتح الفم) للمتوفى، والتى كان الغرض منها رمزياً للإشارة إلى البعث والحياة من جديد فى العالم الآخر، وأن يتقبل القرابين فى العالم الآخر
وغالباً ما كان الكهنة - الذين يظهرون عادة فى موكب الجنازة - يُسمون بأسماء عتيقة، قد تكون من أسماء أجدادهم الأولين الذين كانوا يشتركون فى الجنازات الملكية فى عصور فجر التاريخ، مثل (Imy-r xnt)
thanks
ردحذف