السبت، 10 مارس 2012

المرأة والكهنوت

بسم الله الرحمن الرحيم

دور المرأة فى الكهنوت


لم تبتعد المرأة فى أى من العصور التاريخية القديمة عن خدمة المعبد، فقد كان بعض النساء يتضرعن لخدمة المعبد كما يفعل الرجال، وذلك بالرغم مما قاله "هيردوت" أن: (المرأة لا تصبح كاهنة لإلهٍ أو لإلهة). فقد ظهر دور المرأة واضحاً فى الحريم الخاص بالملوك والأفراد، أو ذلك الحريم الخاص بالمعبودات.

وقد توافرت الأدلة والشواهد على مشاركة المرأة هذه من عصر الدولة القديمة، سواء أكان ذلك من خلال ألقاب حملتها بعض سيدات الدولة (كالملكات، والأميرات، وزوجات كبار رجال البلاط)، أم كان من خلال مناظر العازفات والراقصات المؤديات للطقوس، وفى مقابر الأفراد.

وقبل الخوض فى دور المرأة، يجب أولاً أن نوضح مفهوم (الحريم) فى مصر القديمة.

الحـريم
تشير كلمة "الحريم" إلى (مجموعة المغنِّين والمغنيات، والراقصين والراقصات، والمؤدِّين والمنشدات). وتقرأ الكلمة الدالة عن هذه الفئة عادةً: (Xnrt , xnrwt , xnr). وقد اختلفت الآراء حول تفسير معنى هذا اللقب أو التسمية، وتُترجم عادة بمعنى: (الزوجة التى تعيش الزوجية بدون زواج شرعى، أى: المحظية)؛ أو تترجم بمعنى: (حريم)، وهذا الافتراض يتفق مع المعنى الجذرى للكلمة (حَصَر، حَبَس، قَصَر، كبح، مَلك نفسَه)، وكذلك اشتقت من ذلك كلمات أخرى ذات صلة، مثل "السجين" (xnr) أو "السجن" (xnrt).
وقد ظهرت الكلمة فى أغلب فترات التاريخ المصرى القديم بأشكال مختلفة، حيث كان الشكل الأقدم والأكثر شيوعاً لها فى ظل عصر الدولة القديمة هو:
(xnr).

ومع بداية الأسرة السادسة ظهرت علامة
(r) كمتمم صوتى للكلمة،

وذلك فى الشكل
،

وذلك إلى جانب هذا الشكل الكتابى
.

أما عن وجود الحرف (t) فى كلمة (xnrt) المكتوبة بعلامة (r)، فقد ظهر فى الدولة القديمة ، حيث لاحظ "فيشر" ظهور الكلمة بحرف "التاء" (t) فى ثلاثة مقابر تؤرخ بالأسرة السادسة، ومنها ما ورد فى مقبرة "محـو" (MHw) فى "سقارة" بهذا الشكل .

وفى مقبرة "مرى روكا" بسقارة أيضاً وردت الكلمة بالشكل:
.

وقد اختلف الباحثون فى تحديد معنى كلمة (xnr)، حيث أشارت قواميس اللغة إلى المصطلح (Pr-xnr) بمعنى (الحريم). وقد استخدم ليشير إلى "الحريم" فى عصر الدولة الحديثة. وأورد "قاموس برلين" الكلمة (xnr)، وأرخ ظهورها بعصر الدولة القديمة، وترجمها (الحريم وسكانه).
أما عن كلمة (xnr)، فقد اختلف الباحثون فى تحديد مدلولها، فرأى البعض أنها تعنى: (سكان الحريم) ، بينما رأى البعض الآخر أنها تعنى: (عازفو الموسيقى).
كما عــارض "نورد" (Nord) فى تعليقه على ما ذكره "رايزنر" (Reiser) أن الكلمة التى تعنى (سكان الحريم) لم تكن مطابقة للحريم الملكى والخاص فى عصر الدولة القديمة.
وأضاف أن استخدام الكلمة للمنشدين والراقصات مرتبط بالحريم الخاص أكثر من ارتباطه بحريم الملوك. وأضاف أن الكلمة كانت تقتصر فى استخداماتها المختلفة على الغناء والرقص. وقد أيده "شبايبل" (Speipel) مشيراً إلى عدم استخدامها للتعبير عن "الحريم الملكى" فى عصر الدولتين القديمة والوسطى.
ويشير "نورد" (Nord) إلى أن هذه الكلمة قد جاءت فى بعض الألقاب مؤنثة، وفى البعض الآخر بصيغة المذكر، وأحياناً ما تشتمل على الجنسين معاً ، وأنها قد ظهرت فى أغلب فترات التاريخ المصرى بأشكال كتابية مختلفة، ومعانى مختلفة كذلك. وعلى الرغم من تناول "قاموس برلين" وعدد من الباحثين لها، إلا أنه لم يُتوصل إلى تحديد وتعريف دقيق لها.
ويفضل "وارد" (Ward) قراءة الكلمة (xnrw.t)، ويرى أنها ترتبط بالمغنين والمغنيات، والراقصين والراقصات. وقد استعان ببعض الأدلة من الدولة القديمة والوسطى، والتى تؤكد على أن الدور الأساسى لهؤلاء الحريم هو الرقص والغناء المرتبط فى الغالب بالطقوس والشعائر الدينية.
وتشير كلمة "الحريم" إلى (الحريم الملكى، والخاص)، وذلك إلى جانب "الحريم الإلهى" (الخاص بالمعبودات)، والذى يرتبط بالمعابد وأماكن العبادة . ويذكر (Nord) أن الحريم الملكى قد وجد قبل عصر الدولة الحديثة . وسبق أن تناولنا المصطلح بالتفصيل، وخاصة فى ارتباطه بحريم المعبودات ، وذلك فى كتابنا عن "المـرأة فى مصـر القديمـة".
وهكذا فإن المرأة شغلت مكانة ودوراً هاماً كحريم للملوك والمعبودات على حد سواء، ويستدل على ذلك بأنه كانت هناك كاهنات للمعبودات "حتحور"، و"نيت"، و"باخت"، ولكل من المعبودين "ﭽحوتى" و"أنوبيس"، ولبعض ملوك الدولة القديمة.
وكانت الربة "حتحور" تحظى بأكبر عدد من الكاهنات، إذ كن يزدن عن عدد كهنتها. وكانت المعبودة "نيت" تليها من حيث عدد كاهناتها، ولم يكن لها كهنة من الرجال. ويرجع أقدم مثال لكاهنات "حتحور" إلى الأسرة الرابعة، حيث شغلتها مثلاً "نفرت نسو" ابنة الملك "سنفرو" . وقد تباهت بعض كبريات الشخصيات من الحريم فى عصر الدولة القديمة بأنهن قد شغلن مناصب كاهنات للربتين "نيت" و"حتحور".
وربما أن هؤلاء السيدات كنَّ من سيدات المجتمع، أو كنَّ مجرد بناتٍ لكهنة، ورثن وظائف آبائهن. وأما ظهور المرأة كمغنية أو موسيقية فهو أمر أكثر شيوعاً، وتحفل النقوش بمناظر لنساء يمسكن الصلاصل، أو يعزفن على الجنك أمام المعبود لإرضائه.

وقد اتخذت "مغنية المعبود" اللقب:
(Smaty nt nTr)، حيث ظهر هذا اللقب منذ عصر الدولة الوسطى دون أن يكون مرتبطاً بمعبود معين.
وكان فى المعابد محظيات المعبود، واللائى كان يطلق عليهن (حريم المعبود)، وكان يطلق على رئيستهن اللقب (wrt xnt nt). ولقد كان المعبود "آمون" باعتباره رباً للامبراطورية فى الدولة الحديثة- يحظى بأكبر عدد من المحظيات إذا ما قورن بغيره من الأرباب الآخرين الذين كان لهم حريم أيضاً، مثل "أنوريس"، و"حرى شا.ف"، و"مين"، و"سبك"، و"ﭽحوتى"، و"أوزير"، و"مونتو"، وربما المعبود "وب واوت". وكانت الأكثر عظمة بين المحظيات عادة زوجة الكاهن الأكبر، تلك التى يُسبَغ عليها الشرف، ولكن توجد على رأس المعبود، أى الزوجة الحقيقية للمعبود ممثلة للربة "موت". الوظائف الكهنوتية والجنائزية للمرأة



ومما سبق نلاحظ أن الوظائف النسائية فى الخدمة الدينية والكهنوتية قد تعددت، سواء أكانت تخص أحد الملوك، أم أحد الأفراد، أو سواء أكانت الشعائر الجنائزية والطقوس تؤدى للشخص المتوفى، أم كانت هذه الخدمة النسائية ترتبط بأحد الأرباب فيما يُعرف باسم (الحريم الإلهى) على نحو ما سنرى لاحقاً.

وعلى كل حال فإن دور المرأة فى هذه الخدمة قد تواجد منذ بداية العصور التاريخية، واستمر تواجده عبر مختلف العصور التاريخية. إلا أن هذا الدور لم يلمع ولم يظهر بشكل مميز يكاد يفوق مثيله من كهنوت الرجال إن لم يفُقه بالفعل، وذلك منذ منتصف عصر الدولة الحديثة، وخلال العصور المتأخرة؛ وذلك حينما برز دور (الزوجة الإلهية للمعبود "آمون") فى "طيبة"، والتى كانت تترأس كهنوت "آمون" فى "طيبة". فكانت المأة لها دور هام كحريم خاص لكل من الملوك، والأفراد، والموتى، والأرباب.



الحريم الملكي والخاص
كان للملوك والأمراء وحكام الأقاليم وكبار رجال الدولة -إلى جانب زوجاتهم- حريمٌ خاص بهم يضم عدداً من المحظيات. وكانت مهمتهن أن يشرحن قلوب سادتهن بالغناء والرقص والموسيقى.
وكان لهن رئيسة تشرف على شئونهن، وموظفون يقومون بنفس المهمة. وكان دخول المرأة فى حريم الملك بالذات يعنى شرفاً كبيراً لها، ومن بينهن من أصبحن زوجات للملوك.



الـحريم الخاص بالمتوفى
كان للحريم دور في الطقوس الدينية لصالح الشخص المتوفى، حيث ارتبط الرقص والغناء وعزف الموسيقى بالمعبودة "حتحور". وكان ذلك يحدث في حضرة المتوفى أو تمثاله، أو يصور في أي مكان آخر على جدران المقبرة. وظهر ذلك في عدد من مقابر الأسرات الخامسة والسادسة.



الحـريم الإلهي
ولم يكن نظام "الحريم" قاصراً على البشر فحسب، بل اختص بعض الأرباب والربات بحريم خاص في معابدهم، كان يتضمن عدداً من المحظيات أو المؤديات، ويكون على رأسهن عادة سيدة تحمل اللقب: (imytr xnr.t n ….)، أي: (المشـرفة على حـريم المعبــود(ة) فلانـ(ـة))؛ أو اللقـب: (wrt xnr.t)، أي: (كبيرة الحريم). واللقب الأخير تحمله -في معظم الحالات- زوجة "الكاهن الأكبر"، أو ابنته، وقد تكون في بعض الأحيان هي زوجة الكاهن الثاني.

وقد ارتبط "الحريم" بالمعبودات منذ عصر الدولة القديمة، مثل المعبودة "بات" و"حتحور". وفى الدولة الحديثة ارتبط بالربات "إيزيس"، و"نخبت"، و"باستت"، وغيرهن.
ولعل أقدم مثال لارتباط الحريم بمعبد كان في عصر الأسرة الخامسة، وذلك في منظر للراقصات اللائي يعلوهن بمقبرة "بتاح حوتب".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق